Sabtu, 09 Juli 2011

شهر شعبان ماذا فيه ؟ للسيد محمد علوي المالكي

شهر شعبان ماذا فيه ؟
السيد محمد بن السيد علوي المالكي الحسني

بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
      أما بعد: فإن شهر شعبان من الأشهر الكريمة والمواسم العظيمة، وهو شهر بركاته مشـهورة، وخيراته موفورة، والتوبة فيه من أعظم الغنائم الصالحة، والطاعة فيه من أكبر المتاجر الرابحة، جعله الله مضمار الزمان، وضمن فيه للتائبين الأمان، مَن عوّد نفسه فيه بالاجتهاد، فاز في رمضان بحسن الاعتياد، وسمي شعبان لأنه يتشعب منه خير كثير، وقيل: معناه شاع بان، وقيل: مشتق من الشِعب بكسر الشين، وهو طريق في الجبل فهو طريق الخير، وقيل: من الشَعب بفتحها وهو الجبر، فيجبر الله فيه كسر القلوب، وقيل غير ذلك.
      وهذه رسالة كتبناها حول شهر شعبان وماذا فيه ؟ …، ولماذا يحتفل به المسلمون ويجتهدون في إقبالهم على الله سبحانه وتعالى بالتوبة والعبادة والطاعة والأعمال الصالحة بكل أنواعها، ويحيون فيه قلوبـهم بذكر الله وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإعمار بيت الله بالصلاة والطواف والعمرة.
      وقبل أن ندخل في أصل البحث نجعل بين يدي ذلك مقدمة مهمة تكون مفتاحاً لمسائل هذا الباب.
      فأقول وبالله التوفيق:
      من القواعد المقررة عند أهل العلم أن الزمان يشرف بما يقع فيه من الحوادث التي هي الأصل في إعطاء القيمة الاعتبارية للزمان، وبمقدارها يكون مقداره وبفضلها يكون فضله، وكلما كان ارتباط الناس بالحادثة قوياً وتأثرهم بها عظيماً كان ارتباطهم وتأثرهم بالزمان الذي وقعت فيه بنفس القوة، ومن هنا يعلم جلياً أن المقصود الأصلي في هذا الباب هو ربط الأمة بالتاريخ، وتعميق مفهوم إحساسهم وشعورهم الديني بالوقائع والحوادث الدينية.
     صحيح أن الناس يختلفون في كيفية دعوة الناس إلى هذه الحقائق، يعني أنهم لم يتفقوا على الطريقة التي يصلون بها والطريقة التي يوصلون الناس بها، لكن المقصود الأصلي لا أظن أنه يختلف فيه اثنان، إننا حين ندعو إلى ربط الأمة بالتاريخ عن طريق اغتنام الفرص والمناسبات التي يجود بها الزمان، فإننا في الواقع ونفس الأمر إنما ندعوهم إلى حقيقة صافية وعقيدة صحيحة وطريقة مستقيمة وفطرة سليمة، لأن هذه هي تاريخنا وشرفنا.
      ومن هذه القاعدة ننطلق إلى كل خير وبر ومعروف، وهي كلها بإذن الله مقبولة لأنها بهذه القاعدة الأصولية مشمولة، مغتنمين فرصة الزمان التي تنشط فيها الأذهان لتستعيد الذكريات، وترجع بالعقل والقلب والعاطفة إلى الوراء.. للشوق إلى التاريخ.. للنظر إلى الماضي للاعتبار، وهذا هو الدرس العلمي الذي لا تستطيع الجامعات بأساتذتها ومحاضراتـها ولا المدارس بمناهجها ومقرراتـها أن تنقل الناس إليه ليعيشوه ويدركوه ويحسوا به قلباً وعقلاً وعاطفةً.
      إننا حين نحتفل بذكرى المولد أو ذكرى الهجرة أو ذكرى الإسراء والمعراج أو بمناسبة شهر شعبان، إنما ندعو الناس إلى الارتباط بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم بالحقائق والحوادث التي تملأ ساحة هذه الأزمنة، ليس تعظيماً لها أو تأليهاً أو اعتقاداً، وإنما تعظيماً لله الذي خلق الزمان والمكان، تعظيم العبد للرب الخالق، و تعظيماً لمن كان السبب فيها الذي قام بها وقامت به وارتبطت به ارتباط الحوادث، تعظيم المحب للحبيب.. لصاحب الفضل الذي اختاره الله ليكون هو صاحب هذه الحوادث والوقائع، وإنى لأعجب من عقول محجّرة تغفل عن صاحب الحادثة الذي به وله ومعه ومنه كانت الحادثة وتهتم بالحادثة من حيث هي حادثة.
      هذا بلا شك هو عين البدعة بل هو تمام الجهل وقصور النظر، إننا لا نعظم الزمان لأنه زمان … ولا المكان لأنه مكان … لأن هذا عندنا من الشرك، ولكن ننظر لما هو أعلى من ذلك وأكبر وأعظم، ولا نعظم الأشخاص لذواتها الجسمية والعظمية، وإنما ننظر إليها من حيث مقامها ووجاهتها وجاهها ورتبتها وشرفها وحبها ومحبوبيتها، فهل من إثم أو زور في ذلك ؟ سبحانك هذا بـهتان عظيم.
      وصلى الله وسلم على خاتم رسله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لماذا...  وماذا... في شهر شعبان ؟
     في شهر شعبان من الحوادث والوقائع ما يستحق الاهتمام والعناية وصرف الهمم وتوجيه الأنظار بالاجتماعات والندوات والاحتفالات، وسنذكر بعض ذلك.

تحويل القبلة
     كان في شهر شعبان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وقد كان صلى الله عليه وسلّم ينتظر ذلك برغبة قوية، ويقوم في كل يوم متطلعاً مقلّباً وجهه في السماء، يترقب الوحي الربانى حتى أقرَّ الله عينه وأعطاه مُناه وحقق مطلوبه بما أرضاه، ونزل قول الله تعالى: ﮜ ﮝﮞﮟ ﮠ ﮡ                                             الآية [البقرة: ١٤].
     وهو مصداق قوله تعالى:﴿ ولسوف يعطيك ربُّك فترضى ﴾  الضحى: 5.
     ويتحقق فيه قول السيدة عائشة له: ((ما أرى ربك إلاّ يسارع في هواك)) رواه البخاري، وهو صلى الله عليه وسلّم لا يرضى إلاّ بما يرضى به الله.
     وقال أبو حاتم البستي: صلّى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً وثلاثة أيام سواء، وذلك أن قدومه المدينة كان: يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول وأمره الله عز وجل باستقبال الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج 2 ص 150]

رفع الأعمال
     من مزايا شهر شعبان المعروفة رفع الأعمال فيه وهو الرفع الأكبر والأوسع، وقد جاء ذلك في الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم)) قال المنذري: رواه النسائي [الترغيب والترهيب للمنذري 2/ 48].
     قلت: وأخرجه الإمام أحمد في مسنده.
      وليس هذا الرفع خاصاً بشعبان بل جاء في الأحاديث الشريفة ما يدل على تعدد رفع الأعمال في أوقات مختلفة، ولا تنافي بينها فإن لكل رفع حكماً تتعلق به.

تقدير الأعمار
     وفي شهر شعبان تُقدّر الأعمار، والمقصود إظهار هذا التقدير وإبرازه، وإلاّ فإن أفعال الحق سبحانه وتعالى لا تُقيّد بزمان ولا مكان ﴿ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ﴾ الشورى: 11.، جاء في الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يصوم شعبان كله، قالت: قلت: يا رسول الله أحب الشهور إليك أن تصومه شعبان ؟ قال: ((إن الله يكتب فيه على كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم)).
     هكذا في نسخ الترغيب والترهيب وكذا في النسخة المطبوعة من مسند أبي يعلى ج 8 ص 312 رقم 4911، والظاهر أن قوله: ((فأحب أن يأتينى أجلى وأنا صائم)) فيه تحريف، والصواب: ((فأحب أن يرفع – أو أن يكتب – عملي وأنا صائم))، وقد جاء هذا اللفظ في كثير من الروايات الصحيحة الواردة في هذا الباب غير هذا الحديث كقوله: ((شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم))، وهو الذي يقتضيه سياق كلامه صلى الله عليه وسلّم، وهو الذي جاء التصريح به في رواية الخطيب في التاريخ بسنده إلى السيدة عائشـة، وفيها: ((وأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة)). رواه أبو يعلى وهو غريب وإسناده حسن.
      ولذلك كان صلّى الله عليه وسلّم يكثر صيامه، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصوم ولا يفطر، حتى نقول: ما في نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى
      نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان " رواه أحمد والطبرانى.

فضل الصيام في شعبان
     وقد سُئل صلى الله عليه وسلّم: أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ قال: "شعبان لتعظيم رمضان "، قيل: فأي الصدقة أفضل ؟ قال: "صدقة في رمضان ". قال الترمذي: حديث غريب.
      بل تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم استكمل صيام شهر قط إلاّ شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، ورواه النسائي والترمذي وغيرهما، قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم في شهر أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصومه إلاّ قليلاً بل كان يصومه كله "، وفي رواية لأبي داود قالت: " كان أحب الشـهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ".
     وفي رواية للنسائي قالت: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لشهر أكثر صياماً منه لشعبان، كان يصومه أو عامته".
      وفي رواية للبخاري ومسلم قالت: " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلّم يصوم شهراً أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملّوا، وكان أحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ما دُوْوِمَ عليه وإنْ قلّتْ، وكان إذا صلّى صلاة داوم عليها".

تحقيق القول في صيام شعبان
     عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلّم يصوم شهراً أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله" رواه البخاري، وروى مسلم عنها قالت: " كان صلى الله عليه وسلّم يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلاّ قليلاً " وفي رواية النسائي والترمذي: "كان يصومه إلاّ قليلاً بل يصومه كله".
      قال الشيخ ملا علي القاري: قولها (كان صلى الله عليه وسلّم يصوم كله) يعني أن ما لا يصومه من شعبان كان في غاية من القلة بحيث يظن أنه صام كله، فكلمة (بل) للترقي، ولا ينافي حينئذ قولها (إلاّ قليلاً)، ولا ما جاء من أنه صلى الله عليه وسلّم ما صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلاّ رمضان

شهر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم
      ومن مزايا شـهر شعبان أنه الشهر الذي نزلت فيه آية الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهي قوله تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلّون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ﴾ الأحزاب: 56.
      وقد ذكر ابن الصيف اليمني أنه قيل: إن شهر شعبان شهر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم لأن الآية ﴿ إن الله وملائكته يصلّون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ﴾ نزلت فيه [تحفة الإخوان للإمام أحمد بن حجازي الفشني ص 74 ]
      وقال الإمام شهاب الدين القسطلانى قولاً عن بعض العلماء بأن شهر شعبان شهر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم لأن آية الصلاة – يعني {إن الله وملائكته يصلّون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما} - نزلت فيه [شرح الزرقانى على المواهب ج 6 ص 328]
      وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله عن أبي ذر الهروي أن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم يعني بقوله تعـالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ﴾ كان في السنة الثانية من الهجرة،وقيل في ليلة الإسراء.

شعبان شهر القرآن
      جاء في بعض الآثار تسمية شعبان بـ (شهر القرآن). ومعلوم أن قراءة القرآن مطلوبة في كل زمان ولكنها تتأكد في الأزمنة المباركة والأمكنة المشرفة كرمضان وشعبان ومكة المكرمة والروضة المشرفة والمواسم المفضلة.
      وقد جاء عن بعض السلف رضي الله عنهم هذا القول. قال الشيخ ابن رجب الحنبلي: روينا بإسناد ضعيف عن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان. وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء. وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. قال الحسن بن سـهل: قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي ؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن [لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب ص 158]

لا إله إلا الله
      وينبغي للمسلم أن يغتنم الأوقات المباركة والأزمنة الفاضلة وخصوصاً شهر شعبان وليلة النصف منه بالاستكثار فيها من الاشتغال بكلمة الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) علماً ومعرفةً وعملاً وعقيدةً ومنهجاً وعبادةً وذكراً وتكراراً، فهي باب الدخول في الإسلام وسُلّم الرقاية للإيمان ومعراج القلوب والأرواح إلى رب الأكوان الرحيم الرحمن، وهي أول شعب الإيمان وأفضلها وهي من أكبر الحسنات التي يتجدد بها الإيمان وتكفر بها السيئات، حتى تأخذ بيد صاحبها فتدخله الجنة، وهي مفاتيح السموات والأرض بل مفاتيح الجنة، وهي التي تمنع العباد من سخط الله تعالى، وتؤمنهم من عذابه.
      وقد جاء في فضلها أحاديث كثيرة، منها:
      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "جدّدوا إيمانكم " قيل: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا ؟ قال: " أكثروا من قول لا إله إلا الله " رواه أحمد والطبراني.
      عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، أوصني فقال صلى الله عليه وسلّم: "إذا عملتَ سيئة فأتبعها حسنة تمحها " فقلتُ: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: "هي أفضل الحسنات" رواه أحمد

الاستغفَار
     والاستغفار من أعظم وأولى ما ينبغي على المسلم الحريص أن يشتغل به في الأزمنة الفاضلة التي منها شعبان وليلة النصف وهو من أسباب تيسير الرزق، ودلت على فضله نصوص الكتاب وأحاديث سيد الأحباب صلى الله عليه وسلّم، وفيه تكفير للذنوب وتفريج للكروب وإذهاب للهموم ودفع للغموم، و ذلك لأن كثرة الهموم وتوالي الأكدار، سببها شؤم الذنوب والإصرار، فجدير بأن يكون دواؤها الاستغفار وصدق التوبة والاعتذر.
      قال صلى الله عليه وسلّم: " من لزم الاسـتغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضـيق مخرجاً ورزقـه من حيث لا يحتسب " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم. وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: " قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعَوْتَني ورجَوْتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السـماء ثم اسـتغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتَيْتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابـها مغفرة " رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

استغفار نبوي جامع
      وعن محمد بن عبدالله بن محمد بن جابر بن عبدالله رضى الله عنه عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: واذنوباه واذنوباه، فقال هذا القول مرتين أو ثلاثا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " قل: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبى ورحمتك أرجى عندي من عملي " فقالها، ثم قال: " عد" فعاد، ثم قال: " عد" فعاد، ثم قال: " قم فقد غفر الله لك " رواه الحاكم.

سيد الاستغفار
      سيد الاستغفار كما في الصحيحين هو: "اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استـطعت أعوذ بك من شـر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، و أبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ".
      وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلّم قال للذي شكا الدين وقلة ذات اليد: " أين أنت من سـيد الاستغفار، قل ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله مائة مرة ".

ليلة النصف من شعبان
     وفي شهر شعبان ليلة معظمة مباركة مكرمة وهي ليلة النصف منه التى يتجلى الله فيها على خلقه بعموم مغفرته وشمول رحمته فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويجيب دعاء السائلين ويفرج عن المكروبين ويعتق فيها جماعة من النار ويكتب فيها الأرزاق والأعمال. وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة متعددة وهى لا تخلو من ضعف أو انقطاع وإن كان بعضها أخف ضعفاً ومع ذلك فقد صحح الحافظ ابن حبان بعضها ونذكر أشهر ما ورد في هذا الباب: أخرج الطبراني وابن حبان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ويغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه.
      والمشاحن: منافق شرير يبعث الشقاق ويوقد نار العداوة بين المتحابين، وقال ابن الأثير في النهاية: المشاحن المعادي، والشحناء العداوة [النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 2 / 449]
      وروى البيهقي من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "أتاني جبرائيل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب"
     قوله (بعدد شعور غنم كلب) يعني غنم بني كلب، وبنو كلب قبيلة كبيرة هم أكثر قبائل العرب أو من أكثرها غنماً. ولا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدمن خمر…" وذكر الحديث بتمامه.
      وروى الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: " يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن وقاتل نفس ". وإسناده لين كما قال الحافظ المنذري.
      وأخرج الترمذى وابن ماجه عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلّم فخرجت فإذا هو في البقيع رافعاً رأسه إلى السماء فقال:" أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله " فقلت: ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال: " إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب " قال الترمذي: حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
      وسمعت محمداً - يعني البخاري – يضعف هذا الحديث وذلك لأن فيه انقطاعاً في موضعين.
      وأخرج البيهقي عن مكحول عن كثير بن مرة وهو تابعي عن النبيصلى الله عليه وسلّم: " في ليلة النصف من شـعبان يغفر الله لأهل الأرض إلا مشركاً أو مشاحناً " قال البيهقي: هذا مرسل جيد. اهـ.
      وأخرج البيهقي عن العلاء بن الحارث أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبـهامه فتحرك فرجعت فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: " يا عائشة - أو يا حميراء - أظننت أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد خاس بك ؟ " قلت: لا والله يا رسول الله ولكنى ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال: " أتدرين أي ليلة هذه ؟ " قلت: الله ورسـوله أعلم، قال: " هذه ليلة النصف من شعبان إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم " قال البيهقي: هذا مرسـل جيد ويحتمل أن يكون العلاء أخذه من مكحول. اهـ

أسماء ليلة النصف من شعبان
      ذكر بعض العلماء لليلة النصف من شـعبان أسـماء كثيرة – وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى غالباً – وقد أوصل أسماءها أبو الخير الطالقاني لاثنين وعشرين اسماً، فمن أسمائها: الليلة المباركة، ليلة القسمة، ليلة التكفير، ليلة الإجابة، ليلة الحياة، وليلة عيد الملائكة، ليلة الشفاعة، ليلة البراءة، ليلة الصك، ليلة الجائزة، ليلة الرجحان، ليلة التعظيم، ليلة القدر، ليلة الغفران.

العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل
خلاصة مهمة في أحاديث ليلة النصف من شعبان
     قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في اللطائف: إن جمهور أئمة الحديث ضعفوها وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه.
      وقال ابن حجر الهيتمي في الدر المنضود: وقد اتفق الأئمة من المحدثين والفقهاء وغيرهم كما ذكره النووي وغيره على جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب لا في الأحكام ونحوها ما لم يكن شديد الضعف.
      واشترط العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد مع ذلك أن يكون مندرجاً تحت أصل عام. فقول أبي بكر بن العربي: لا يعمل به مطلقاً ليس في محله. وقيل يعمل به مطـلقاً إذا لم يكن في الباب غيره ولم يكن ثمة ما يعارضه ونقل هذا عن الإمام أحمد رضى الله عنه، وقال أبو داود صاحب السنن: إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره.
      وما ورد من الأحاديث في فضل ليلة النصف وفضل إحيائها مما يجوز العمل به مع ضعفه لتوفر الشروط فيه [الكلمات الحسان في فضائل ليلة نصف شعبان، للشيخ حسنين محمد علي مخلوف العدوي، ص 6]
      قال سيدي الوالد الإمام الحبيب علوي بن عباس المالكي الحسني في الفتاوي: أجمع أهل الحديث وغيرهم على أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، وممن قال بذلك الإمام أحمد بن حنبل وابن المبارك والسفيانان والعنبري وغيرهم، فقد نقل عنهم أنـهم قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا وإذا روينا في الفضائل تساهلنا.
      قال العلامة الرملي في فتاويه ما نصه: قد حكى النووي في عدة من تصانيفه الإجماع على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها خاصة.
      قال ابن عبد البر: أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به. وقال الحاكم: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: الخبر إذا ورد لم يحلّل حراماً ولم يحرّم حلالاً ولم يوجب حكماً وكان في ترغيب وترهيب غمض عنه وتساهل في روايته. ولفظ ابن مهدى كما قال في المدخل: إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلّم في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال
      ولفظ الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية الميموني عنه: الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجئ فيها حكم.

اعتناء السلف بليلة النصف
     قال ابن رجب الحنبلي: وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونـها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عُبّاد أهل البصرة وغيرهم.
      وأنكر ذلك أكثر علماء أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة [لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص 161]
      ونحن لا ننكر على من يرى أن الاجتماع بدعة، فهذا رأيه وفكره بحسب اجتهاده ونظره وبحثه وهو من حقه أن يرى وينظر ويفكر ويقرر كما يشاء ما دام أنه يسعى في الخير ويجتهد في الوصول إليه لكن المصيبة الكبرى التي يقع فيها كثير من هؤلاء المنكرين هو حجب الحقائق عن الناس وإبراز أقوالهم فقط بأدلتها أوجهة الاستنباط والاستظهار فيها وبهذا يوهمون العامة والمثقفين البسطاء أنه ليس في الباب إلا هذا القول وأن ما سواه باطل أو كذب وهذا في الحقيقة هو عين التدليس والكذب.
      وأقول لهم: اجتهدوا كما شئتم وأيدوا ما شئتم وقولوا ما شئتم بعد بيان الخلاف الوارد في المسألة وإثبات ما جاء كما جاء مهما كان هذا الخلاف ولو كان مخالفاً لأقوالكم ثم أيدوا ما شئتم وردّوا ما شئتم.
      وانظر أخي الكريم إلى ابن رجب وأمانته فيما قال فقد بدأ كلامه بذكر الخلاف فقال: اختلف علماء الشام في صفة إحيائها على القولين.
      أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد.
      والثاني: أنه يكره في المساجد ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه إلى آخر كلامه. ثم رجّح وصحّح ما يراه فقال: وهذا هو الأقرب.
      الله أكبر ! ما أعظم هذه الأمانة ويا ليت أصحابنا من الدعاة والوعاظ يلاحظون هذا المنهج الراقي العقلاني الصافي في كلامهم وهجومهم على العلم والعلماء والمتعبدين والعاملين بـهذه الفضائل.

معنى القول بالبدعة في هذا الباب
     والبدعة تطلق في الشرع على ما قابل السنة فتكون سيئة مذمومة، وعند الإطلاق تنصرف إليها.
 وقد تطلق على ما استحدث بعد عهد النبوة واندرج تحت أصل عام مستحسن شرعاً، فتكون حسنة ممدوحة.
      قال الإمام الغزالي في كتاب آداب الأكل من الإحياء: ليس كل ما بعد الرسول صلى الله عليه وسلّم منهياً عنه بل المنهي عنه بدعة تضاد السنة الثابتة وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علته، بل الابتداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب. اهـ
      وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: والتحقيق أن البدعة إن كانت مما يندرج تحت أصل مستحسن شرعاً فهي حسنة، وإن كانت مما يندرج تحت أصل مستقبح شرعاً فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة. اهـ
      وممن ذهب إلى انقسامها إلى الأحكام الخمسة الإمام القرافي تبعاً لشيخه العز بن عبدالسلام كما نقله الإمام الشاطبي في الاعتصام.
      فمن ذهب إلى القول الأول عَنى أن الإحياء ليس بدعة مذمومة بل هو بدعة مستحسنة، ولعله لاندراجه تحت أصل مستحسن شرعاً وهو الذكر والدعاء المشروعان انفراداً واجتماعاً في المساجد وغيرها وفي كل وقت وحال.
      ومن ذهب إلى القول الثانى عَنى أنه بدعة مذمومة شرعاً لكراهة التزام عبادة معينة في وقت معين لم يرد بها الشرع فيه على سبيل اللزوم.
      قال الإمام القرافي: إن تخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادة بدعة مكروهة. اهـ
      وقال الشاطبي: إن التزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته بدعة مذمومة. اهـ
      وفي الاعتصام تحقيق شافٍ وافٍ في موضوع البدع وتعريفها وضوابطها وهو من أهم الموضوعات المتعلقة بالأحكام، فراجعه.
      وقد درج على استحباب إحياء ليلة النصف ببعض العبادات انفراداً وببعضها اجتماعاً العلامة شهاب الدين أحمد ابن حجازي الفشني في كتابه (تحفة الإخوان) تبعاً لحجة الإسلام الغزالي مطلقاً وللحافظ ابن رجب في حالة الانفراد، وللأئمة من التابعين ومن وافقهم الذاهبين إلى استـحبابه في حالتي الانفراد والاجتماع فقال: والحاصل أن إحياء ليلة النصف مستحب لما ورد فيه من الأحاديث، ويكون ذلك بالصلاة بغير تعيين عدد مخصوص، وبقراءة القرآن فرادى وبذكر الله تعالى والدعاء والتسبيح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم جماعة وفرادى، وبقراءة الأحاديث وسماعه، وعقد الدروس والمجالس للتفسير وشرح الأحاديث، والكلام على فضائل هذه الليلة، وحضور تلك المجالس وسماعها وغير ذلك من العبادات. اهـ
فضل الذكر انفراداً واجتماعاً
      أما ذكر الله تعالى في أي وقت وحال فهو خير الأعمال وأزكاها عند الله تعالى. وفي الحديث: ((ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى)). والاجتماع فيه مشروع مرغّب فيه كما يدل عليه الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه)).
      وحديث مسلم: ((لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله في من عنده)) ويؤخذ منهما فضل الاجتماع على مذاكرة العلم ومدارسة القرآن وقراءة التفسير والحديث والفقه وعلى الترغيب والترهيب، إذ كلها ذكر لله تعالى وللاجتماع فيها فضل عظيم [الكلمات الحسان في فضائل ليلة نصف شعبان للشيخ حسنين محمد علي مخلوف العدوي ص 9]

أقوال بعض أئمة السلف
     وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله بالبصرة: عليك بأربع ليال من السنة فإن الله يفرغ فيهن الرحمة إفراغاً أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة الأضحى، وفي صحته عنه نظر. وقال الشافعي رضي الله عنه: بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة والعيدين وأول رجب ونصف شعبان.
      وروى سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو معشر عن أبي حازم ومحمد بن قيس عن عطاء بن يسار قال: ((ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضـل من ليلة النصف من شـعبان ينـزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده كلهم إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم)).

موقف ابن تيمية من ليلة النصف من شعبان
     قال الشيخ ابن تيمية: و أما ليلة النصف فقد روي في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنـهم كانوا يصلون فيها، فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجة فلا ينكر مثل هذا، وأما الصلاة فيها جماعة فهذا مبنيٌّ على قاعدة عامة في الاجتماع على الطاعات والعبادات فإنه نوعان، أحدهما: سنّة راتبة، إما واجب وإما مستحب كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح فهذا سنّة راتبة ينبغي المحافظة عليها والمداومة، والثاني: ما ليس بسنة راتبة مثل الاجتماع لصلاة تطوّع مثل قيام الليل أو على قراءة قرآن أو ذكر الله أو دعاء، فهذا لا بأس به إذا لم يتخذ عادة راتبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم صلّى التطوّع في جماعةٍ أحياناً ولم يداوم عليه إلا ما ذكر، وكان أصحابه إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ والباقي يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى: ذكّرنا ربّنا فيقرأ وهم يستمعون، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم خرج على أهل الصّفة ومنهم واحد يقرأ فجلس معهم، وقد روي في الملائكة السيّارين الذين يتبعون مجالس الذكر.. الحديث المعروف، فلو أن قوماً اجتمعوا بعض الليالي على صلاة تطوع من غير أن يتخذوا ذلك عادة راتبة تشبه السنة الراتبة لم يكره لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع، ولو ساغ ذلك لساغ أن يعمل صلاة أخرى وقت الضحى أو بين الظهر والعصر أو تراويح في شعبان أو أذان في العيدين أو حجّ إلى الصخرة ببيت المقدس وهذا تغيير لدين الله وتبديل له، وهكذا القول في ليلة المولد وغيرها.

التوجيه النبوي للعناية بالليلة
     وقد أمر صلى الله عليه وسلّم بالعناية بليلة النصف واغتنام بركة العمل الصالح فيها، فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: ((إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا يومها فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر)) رواه ابن ماجه بسند فيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، قال في التقريب: رموه بالوضع، وفي الخلاصة: وضعفه الباقون.
      فالحديث بشواهده معتبر في فضائل الأعمال، وقد ذكره العلماء المحققون في كتب الفضائل كالمنذري في الترغيب والترهيب، والشرف الدمياطي في المتجر الرابح وابن رجب في لطائف المعارف.
      والحاصل: أن هذه المسألة لها أصل تصير به معتبرة للعمل رجاء الثواب والأجر وفضل الله واسع.

الدعاء في شعبان
     ليلة النصف من شعبان بل وشعبان كله مجال عظيم وميدان كريم للمسارعة إلى الخيرات بجميع أنواعها والتنافس في الأخذ بأسبابها من كل أبوابها وهو زمان فاضل مبارك وهكذا كل زمان فاضل مبارك ينبغي أن يستكثر المسلم فيه من أنواع البر والإحسان والمعروف.
      والدعاء من أعظم أبواب الفرج. وهو مفتاح الحاجة ومستروح أصحاب الفاقات، وملجأ المضطرين، ومتنفس ذوى المآرب. وقد أمر به الله تعالى فقال: ﴿ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ﴾ سورة الأعراف، آية 55 وقال تعالى: ﴿ وقال ربكم ادعونى أستجب لكم ﴾ سورة غافر، آية 60
      وقد بشر صلوات الله وسـلامه عليه الرجل الذي أُلهم الدعاء بأنه من المرحوميـن، فقال صلى الله عليه وسلّم: ((من فتح له منكم باب الدعاء، فتحت له أبواب الرحمة، وما سـئل الله شيئاً يعنى أحب إليه من أن يسأل العافية)) رواه الترمذي والحاكم.
      وبشر صلى الله عليه وسلّم الداعي بأنه محفوظ بحفظ الله، ومرعيّ برعاية خاصة تكون بين يديه كالسلاح الذي يقاتل به الأعداء، ويدافع به عن نفسه.
      فقال صلى الله عليه وسلّم: ((الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض)) رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
      وقال صلى الله عليه وسلّم: ((لا تعجزوا في الدعاء، فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد)) رواه ابن حبان في (صحيحه) والحاكم.
      وقال صلى الله عليه وسلّم: ((ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدرّ لكم أرزاقكم ؟ تدعون الله في ليلكم ونـهاركم، فإن الدعاء سلاح المؤمن)) رواه أبو يعلى.
      وبشر الداعي بأن دعوته مجابة، وإقباله على الله مقبول فقال صلى الله عليه وسلّم: ((إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)) رواه أبو داود والترمذي و حسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
      وقال صلى الله عليه وسلّم: ((إن الله رحيم كريم، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيراً)) رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

دعاء نصف شعبان
     لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعاء معيّن خاص بليلة النصف من شعبان. وكذلك لم تثبت صلاة معيّنة خاصة بليلة النصف من شعبان. وإنما جاء الترغيب بإحيائها مطلقاً بأيّ أنواع الدعاء والعبادة دون تعيين. فمن قرأ ودعا وصلىّ وتصدّق وعمل بما تيسّر له من أنواع العبادة فـقد أحياها ونال الثواب على ذلك إن شاء الله.
      وقد ورد في حديث السيدة عائشة دعاء في قصّة طويلة تقول فيها: ((دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوضع عنه ثوبيه ثم لم يستتم أن قام فلبسهما فأخذتني غيرة شديدة ظننت أنه يأتي بعض صويحباتي فخرجت فأدركته بالبقيع بقيع الغرقد يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والشهداء، فقلت [أي قلت في نفسي]: بأبي وأمي أنت في حاجة ربك وأنا في حاجة الدنيا، فانصرفت فدخلت حجرتي ولي نفـس عال ولحقني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: ما هذا النَّفس يا عائشة ؟فقلت: بأبي وأمي أتيتني فوضعت عنك ثوبيك، ثم لم تستتم أن قمت، فلبستهما فأخذتني غيرة شديدة ظننت أنك تأتي بعض صويحباتي حتى رأيتك بالبقيع تصنع ما تصنع، فقال: يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ أتاني جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب لا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى مسبل ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدمن خمر، قالت: ثم وضع عنه ثوبيه، فقال لي: يا عائشة تأذنين لى في قيام هذه الليلة ؟ قلت: نعم بأبي وأمي، فقام فسجد ليلاً طويلاً حتى ظننت أنه قد قبض فقمت ألتمسه ووضعت يدى على باطن قدميه فتحرك ففرحت وسـمعته يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك جل وجـهـك لا أحصـى ثناء علـيك أنت كما أثنيت على نفسك، فلما أصبح ذكرتـهن له فقال: يا عائشة تعلّميهنّ، فقلت: نعم، فقال: تعلّميهن وعلميهن فإن جبريل عليه السلام علّمنيهن وأمرني أن أرددهن في السجود)). قال في الترغيب: رواه البيهقي.
      وفي رواية عنها قالت: ((كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم عندي، فلما كان في جوف الليل فقدته فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة فتلفعت بمرطى فطلبته في حجر نسائه فلم أجده فانصرفت إلى حجرتي، فإذا أنا به كالثوب الساقط وهو يقول في سجوده: سجد لك خيالي وسوادى وآمن بك فؤادى فهذه يدى وما جنيت بها على نفسي يا عظيم يرجى لكل عظيم يا عظيم اغفر الذنب العظيم، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، ثم رفع رأسه ثم عاد ساجداً فقال: أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ بك منك أنت كما أثنيت على نفسك، أقول كما قال أخي داود: أعفّر وجهي في التراب لسيدي، وحق له أن يسجد ثم رفع رأسـه فقال: اللهم ارزقني قلباً تقياً من الشرك نقياً لا حافياً ولا شقياً، ثم انصرف فدخل معي في الخميلة ولي نفس عال، فقال: ما هذا النفس يا حميراء ؟ فأخبرته فطفق يمسح بيده على ركبتي، ويقول: ويح هاتين الركبتين ما لقيتا في هذه الليلة، هذه ليلة النصف من شعبان ينـزل الله فيها إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده إلا المشرك والمشاحن)). وهذان الحديثان ضعيفان.
      وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبـهامه فتحرك فرجعت فسمعته يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك إليك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فلما رفع رأسه من السجود، وفرغ من صلاته قال: يا عائشة أو يا حميراء أظننت أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد خاس بـك ؟ قلت: لا والله يا رسول الله..ولكنى ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال: أتدرين أيّ ليلة هذه ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذه ليلة النصف من شعبان إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم)) رواه البيهقي من طريق العلاء بن الحارث عنها وقال: هذا مرسل جيد، يعنى أن العلاء لم يسمع من عائشة، والله سبحانه أعلم.
      يقال خاس به: إذا غدره ولم يوفه حقه، ومعنى الحديث: أظننت أنني غدرت بك، وذهبت في ليلتك إلى غيرك، وهو بالخاء المعجمة والسين المهملة.الترغيب والترهيب للمنذري 2/ 52

دعاء مشهور ومجّرب
     وقد جرت العادة بقراءة هذا الدعاء مع ترتيب سورة (يس) وهو: (بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين. اللهم إن كنت كتبتني عندك (في أم الكتاب) شقياً أو محروماً أو مطروداً أو مقتراً عليّ في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنـزل على لسان نبيك المرسل: ﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ﴾ [سورة الرعد آية 39] إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم، أسألك أن تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم، وما أنت به أعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. انتهى.
     قلت: وقوله في هذا الدعاء (اللهم إن كنت كتبتني عندك … إلخ) هذا هو الصواب عند التحقيق والمراجعة. وفي كثير من الكتب المشهورة المتداولة زيادة لفظ (في أم الكتاب) وهو غلط، ولعله تحريف من النساخ. وذلك لأن ما في أم الكتاب لا يقبل المحو ولا الإثبات كما قال تعالى: ﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ﴾ وقد عرضت هذا الأمر على جملة من مشايخنا من أئمة الحديث والفقه فثبتني عليه.
     وقد وردت جمل من هذا الدعاء عن ابن مسعود، فقد أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) وابن أبي الدنيا في (الدعاء) عنه قال: ما دعا عبد قط بـهذه الدعوات إلا وسّـع الله له في معيشته: يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً فامح عني اسم الشقاء وأثبتني سعيداً وإن كنت كتبتني عندك محروماً مقتراً على رزقي فامح حرماني ويسـر رزقي وأثبتني عندك سعيداً موفقاً للخير فإنك تـقول في كتابك الذي أنزلت: ﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ﴾

أخبار باطلة مردودة
     هذا، وقد وردت أخبار باطلة في فضل ليلة النصف من شعبان وفي كيفية الصلاة فيها وهي مردودة ولا يصح العمل بها ولا إشاعتها بين العوام إلا للتحذير منها والرد عليها. وفي الصحيح والحسن والمقبول من الفضائل والمحاسن والمناقب غنية وكفاية وافية لمن أراد الخير.

قراءة يس لقضاء الحوائج
    قراءة يس بنية طلب الخير الدنيوي والأخروي أو قراءة القرآن كله لذلك لا حرج فيه وليس بممنوع. وقد ادعى بعضهم أن ذلك حرام أو ممنوع أو بدعة سيئة إلى آخر القائمة المعروفة المشهورة في هذا الباب والتي نسمعها مطلقة في كل مستحدث جديد دون شرط أو احتراز أو تقييد، وهذا نص كلامهم:
      ما يفعله عامة الناس من قراءة سورة يس ثلاث مرات: مرة بنية طول العمر مع التوفيق للطاعة، الثانية بنية العصمة من الآفات والعاهات ونية سعة الرزق، الثالثة لغنى القلب وحسن الخاتمة، والصلاة التي يصلّونها بين الدعاء، والصلاة بنية خاصة لقضاء حاجة معينة، كل ذلك باطل لا أصل له ولا تصح الصلاة إلا بنية خالصة لله تعالى لا لأجل غرض من الأغراض، قال تعالى: ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ﴾ [سورة البينة، آية 5]
      هذا كلام المنكرين.
     أقول: إن هذه الدعوى هي بنفسها باطلة لأنها مبنية على قول لا دليل عليه، وفيه تحكم وتحجير لفضل الله ورحمته. والحق أنه لا مانع أبداً من استعمال القرآن والأذكار والأدعية للأغراض الدنيوية والمطالب الشخصية والحاجات والغايات والمقاصد بعد إخلاص النية لله في ذلك، فالشرط هو إخلاص النية في العمل لله تعالى. وهذا مطلوب في كل شئ من صلاة وزكاة وحج وجهاد ودعاء وقراءة قرآن، فلا بد في صحة العمل من إخلاص النية لله تعالى، وهو مطلوب لا خلاف فيه بل إن العمل إذا لم يكن خالصاً لله تعالى فإنه مردود،، قال تعالى: ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ﴾، لكن لا مانع من أن يضيف الإنسان إلى عمله مع إخلاصه مطالبه وحاجاته الدينية والدنيوية، الحسية والمعنوية، الظاهرة والباطنة. ومن قرأ سورة يس أو غيرها من القرآن لله تعالى طالباً البركة في العمر والبركة في المال والبركة في الصحة فإنه لا حرج عليه. وقد سلك سبيل الخير (بشرط أن لا يعتقد مشروعية ذلك بخصوصه) فليقرأ يس ثلاثاً أو ثلاثين مرة أو ثلاثمائة مرة، بل ليقرأ القرآن كله لله تعالى خالصاً له مع طلب قضاء حوائجه وتحقيق مطالبه وتفريج همه وكشف كربه وشفاء مرضه وقضاء دينه، فما الحرج في ذلك ؟ والله يحب من العبد أن يسأله كل شئ حتى ملح الطعام وإصلاح شسع نعله. وكونه يقدم بين يدي ذلك سورة يس أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم ما هو إلا من باب التوسل بالأعمال الصالحة وبالقرآن الكريم وذلك متفق على مشروعيته. وقد قلنا في كتابنا المفاهيم [مفاهيم يجب أن تصحح للمؤلف ص: 116]، مانصه:
     لم يختلف أحد من المسلمين في مشروعية التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة، فمن صام أو صلى أو قرأ القرآن أو تصدق فإنه يتوسل بصيامه وصلاته وقراءته وصدقته بل هو أرجى في القبول وأعظم في نيل المطلوب لا يختلف في ذلك اثنان. والدليل على هذا حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فتوسل أحدهم إلى الله ببره لوالديه، وتوسل الثاني بابتعاده عن الفاحشة بعد تمكنه من أسبابـها، وتوسل الثالث بأمانته وحفظه لمال غيره وأدائه له كاملاً، وفرج الله عنهم ما هم فيه.
     وهذا النوع من التوسل قد فصّله وبيّن أدلته وحقّق مسائله الشيخ ابن تيمية رحمه الله في كتبه وخصوصاً في رسالته "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة".

الصّلاة لله وحده
     الصلاة عبادة والأصل في العبادة أن لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى. كما قال تعالى: ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصـين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ﴾ [سورة البينة، آية 5]
      وعن الضحاك بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكاً فهو لشريكي، يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم، فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له ولا تقولوا: هذه لله وللرَّحِم فإنـها للرَّحِم وليس لله منها شىءٌ، ولا تقولوا: هذه لله ولوجوهكم فإنـها لوجوهكم، وليس لله منها شئ)). رواه البراز بإسناد لا بأس به والبيهقي.
      وعن رُبَيْح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحن نتذاكر المسيح الدّجّال فقال: ((ألا أُخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدّجّال ؟)) فقلنا: بلى يا رسول الله، فقال: ((الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل)) رواه ابن ماجه والبيهقي.
     رُبَيْح: بضم الراء وفتح الباء الموحدة بعدها ياء آخر الحروف حاء مهملة، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
     وعن محمود بن لبيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: ((يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر)) قالوا: وما شرك السرائر ؟ قال: ((يقوم الرجل فيصلي فيزيّن صلاته جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر)) رواه ابن خزيمة في صحيحه.

نيات إضافية
     ولا يقدح في نية المصلى إذا ما نوى بعد الإخلاص لله بصلاته نية أخرى مندرجة تحت نيته الأصلية ومضافة إليها، وقد جاء في السنة النبوية ما يدل على ذلك، بل ما يحث على فعله ويرغب فيه ويدعو إليه ويحث عليه.
      وأصح ما جاء في هذا الباب صلاة الاستخارة وهناك صلاة الحاجة وصلوات كثيرة بنيات مختلفة ولأغراض شخصية وحاجات ومصالح ومنافع دنيوية.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

Peringatan Haul KH. Abdul Fattah Hasyim Ke 36 & Ny. Hj. Musyarrofah Bisri Ke 4, Pertemuan Alumni Besuk Pada Hari Kamis, 21 Maret 2013